مواقع جهادية متطرفة .. برعاية شركات أمريكية
عمرو عبد العاطي
في الوقت الذي كانت تشن فيه الولايات المتحدة الأمريكية حرباً على التنظيمات الإرهابية، ولاسيما تنظيم القاعدة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، اتجهت الأولي إلى شن حرب إعلامية على واشنطن وتحالفها الدولي؛ بغية التكيف مع القيود والإجراءات الاحترازية التي اتخذت على الصعيدين الوطني والدولي، مستفيدة من شبكة الانترنت ـ ذلك المجتمع الافتراضي الذي لا يخضع لقيود أو مراقبة ـ لنشر أفكارها ومبادئها، وكآلية لاتصال بين أفرادها متجاوزة بذلك الحدود القومية بين الدول، مما مكنها بأن تكون في التحليل الأخير متحررة من الرقابة والملاحظة، فضلاً عن استخدامها في تجنيد المتعاطفين مع أفكارهم وأهدافهم.
ويرجع هذا النوع الجديد من الإرهاب والذي اصطلح على تسميته بـ (الإرهاب الإلكتروني) أو (Cyber Terrorism)، إلى بداية التسعينيات من القرن المنصرم؛ حيث تزايد استخدام الانترنت وظهور مجتمع المعلومات (Information Society).
وقد زاد عدد المواقع الجهادية الأصولية من حوالي 12 موقع عام 1998 إلى حوالي 4800 اليوم، وذلك حسبما أورد (جابريل ويمان) (Gabriel Weimann) الباحث بمعهد السلام الأمريكي (USIP)، وأستاذ الاتصالات بجامعة "حيفا" بإسرائيل في كتابة المعنون بـ " الإرهاب علي الانترنت: ساحة جيدة، تحدي جديد" الصادر في 2006 عن معهد السلام الأمريكي (USIP).
استخدام الانترنت من قبل الجماعات الأصولية المتطرفة
ولهذا كان استخدام الانترنت من قبل الجماعات الإرهابية، ولاسيما ذات صبغة إسلامية أصولية، محور العديد من الدراسات والتقارير الصحفية، والنقاش بين الساسة والمسئولين، ففي هذا الإطار عقد مجلس النواب الأمريكي جلسة استماع لمناقشة تزايد استخدام الانترنت من قبل الجماعات المسلحة الإسلامية، والتي شارك فيها رئيس اللجنة الفرعية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وجنوب أسيا بمجلس النواب "جاري أكرمان"، والعضو البارز بتلك اللجنة "مايك بنس"، ورئيس معهد "ميمري"- معهد دراسات إعلام الشرق الأوسط (MEMRI) "ايجال كارمون" والمالك المسجل لموقع المعهد الالكتروني، والذي قضي 22 عامل في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، فضلاً عن عمله كمستشار لمواجهة الإرهاب لكل من "اسحاق شامير" و"اسحاق رابين".
ويذكر أن المعهد الذي انشأ في فبراير 1998، والمصنف علي أنه منظمة مستقلة غير حزبية لا تهدف إلى الربح، يهدف إلى استكشاف منطقة الشرق الأوسط من خلال وسائلها الإعلامية، وذلك حسبما أورد في موقعه الالكتروني، والعمل علي الحد من الفجوة اللغوية بين الغرب ـ حيث القليلون فقط يتحدثون اللغة العربية ـ والشرق الأوسط؛ من خلال توفير ترجمات سريعة للإعلام العربي والفارسي والتركي، فضلا عن تحليل الأيديولوجيات السياسية والاتجاهات الدينية، الثقافية والاجتماعية بتلك المنطقة. والمقر الرئيس للمركز بواشنطن، ومؤخراً افتتح له مكاتب بلندن، برلين، القدس وطوكيو، وتترجم أبحاثه إلى عدة لغات منها الفرنسية، الألمانية، الإيطالية واليابانية.
واستندت تلك المناقشات إلى دراسة أعدها المعهد، شارك في إعدادها بجانب مديره، مدير برنامج دراسات الجهاد والإرهاب بالمعهد "أي ألشيش" (E.Alshech) ، ومدير مبادرة المواقع الإسلامية الجهادية "دي هازان" (D.Hazan) ، والباحثين المساعدين بالمعهد "أر كارمون" (R.Carman) و"اتش ميجرون" (H.migron) والمعنونة بـ" أين تُستضاف المواقع الجهادية الإسلامية؟ وما العمل؟".
وهدفت تلك الدراسة إلى تسليط الضوء على المواقع الجهادية الإسلامية الأصولية التي يستضيفها مزودي خدمات الانترنت (Internet Service Providers ) (ISPs) الغربية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وركزت على الجهود التي يجب اتخاذها لمواجهة تنامي تلك المواقع، وتلك المؤيدة لها، مرجعة ذلك إلى أن أغلب خادمات الانترنت المستضيفة للمواقع الجهادية لا تعرف ما تحويه من مادة؛ للفجوة اللغوية، فغالبيتها ناطقة باللغة العربية.
وتنطلق الدراسة من أن الجماعات الإسلامية المتطرفة نجحت مؤخراً في استخدام شبكة الانترنت، وما تتيحه من تكنولوجيا، وهو ما أكدته التقديرات الاستخباراتية الوطنية الأمريكية، ولاسيما السلفية منها، التي تتبني خطاباً وأعمالاً معادية للولايات المتحدة، والتي تتزايد داخل الأوساط الشعبية الغربية والأمريكية. وتستخدم الجماعات المتطرفة الانترنت لسببين، الأول، يتعلق بالجوانب العملياتية، والثاني، بنشر الدعوة وأفكارها (الترويج للإسلام من وجه نظرها).
أولاً: الأهداف العملياتية
تستخدم المنظمات والجماعات الإرهابية شبكة الانترنت كأداة للتدريب العسكري لعناصرها، من خلال نشر كتيبات عن الأسلحة، تكتيكات القتال، صنع المتفجرات، تقديم دورات في صنع المتفجرات وإرشادات حول كيفية صناعها محلياً وفي المنازل، وموضوعات أخري ذات الصلة على غرار مجلة "معسكر البتار" التابعة لتنظيم القاعدة ذات الطبيعة عسكرية، والمنشورة على الانترنت والتي تنشرها "جماعة المجاهدين في الجزيرة العربية" والتى تستضيفها (R & D Technologies, LLC)،نيفادا.
والأمر لم يقتصر على تقديم المعلومات والاتصال بأعضاء التنظيم، ولكن أخذ هذا النشاط منحني أكثر تهديداً تمثل فيما أصبح يعرف بـ "الجهاد الالكتروني"، والذي أضحي جزءاً أصيلاً من أهداف و تكتيكات المنظمات الإرهابية الإسلامية، والتي أصبحت تُهاجم المنظمات والجماعات الأخرى المعارضة معها فكرياً وعقائديا؛ ً بغية إضعاف روحها المعنوية.
ويري الباحث بمعهد السلام الأمريكي (USIP) "جابريل ويمان" في دراسته المعنونة بـ "الإرهاب الإلكتروني..كيف يكون التهديد حقيقي؟"
أن خطورة "الجهاد الالكتروني" أو "الإرهاب الالكتروني" تتزايد في الدول الغربية؛ لأن أبنيتها التحتية تٌدار بالحواسب الآلية، والتي ترتبط ببعضها البعض بشبكات اتصال (Networks)، والذي يجعلها أهداف سهلة المنال، فبدلاً من استخدام المتفجرات، تستطيع الجماعات الإرهابية من خلال الضغط على لوحة المفاتيح من تدمير تلك المنشآت (البورصات، البنوك....)، وتحقيق أثار تدميرية تفوق مثيلتها المستخدم فيها المتفجرات، ولهذا فإن أغلب المواقع الجهادية الأصولية تتضمن دعوات لهذا النوع الجديد من الإرهاب، مثل منتدى "أبو البخاري" الذي يستضيفه (Everyone’s Internet)، تكساس.
ثانياً: نشر أفكارها ومبادئها (الدعوة والتجنيد)
استخدمت الجماعات الأصولية الجهادية بصورة أساسية شبكات الانترنت في نشر عقائدها وأفكارها، وقد نجحت في ذلك، فتنظيم القاعدة أصبح يضم قسماً خاص بالمعلومات، وشركة إعلام نشطة جداً "شركة السحاب"، وعلى نفس الخط الدول الإسلامية بالعراق (ISI)، والتي خرجت من عباءة الأولي، والتي أضحت هي الأخرى تضم العديد من الجماعات الإرهابية المنتشرة في العراق، وأضحي لها وزارة إعلام تتبعها قناتي "الفرقان" و"الفجر".
هذا فضلا عن، العديد من الشركات الإعلامية المستقلة، التي تخدم تلك التنظيمات، على غرار الجبهة الإسلامية الإعلامية العالمية (GIMF)، التي تُنكر أي رابط بتنظيم القاعدة، ولكنها تبث الرسائل التي يتبنى فيها التنظيم مسئوليته عن العمليات الإرهابية، كما أسست تلك الجبهة "كتائب الجهاد الإعلامي".
وتعتبر تلك الجماعات الدعوة جزءاً مرتبط بالجهاد وأحد أوجهه، وأن النشاط المعلوماتى ـ الإعلامي على الانترنت نوع من الجهاد، للأشخاص الذين لا يستطيعون المشاركة في ساحات القتال، والتي يطلقون عليها "الجهاد الإعلامي" و"جهاد الدعوة". وقدمت الدراسة عدداً من الأمثلة لتلك المواقع منها:
• منتدى "شبكة أخبار العالم" الذي يضم العديد من رسائل المنظمات الإرهابية، من بينها القاعدة، والدولة الإسلامية بالعراق،والتى يستضيفها (SITEGENIE, LLC)، ولاية "مينيسوتا" وعدد من المنظمات الإرهابية في العراق مثل جماعة "أنصار السنة".
• منتدى "الساحة" الذي يضم إنتاج شركة "السحاب"، وخطابات قيادات تنظيم القاعدة، الذي يستضيفه (LIQUID WEB INC)، متشيجان.
• بعض المواقع الإسلامية التي تخصص أقساماً خاصة لشركات الإعلام الجهادية، مثل منتدى "النُصري" المنتمي إلى الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية، والذي تستضيفه (SELECT SOLUTIONS, LLC)، تكساس.
وعملياً جمعت المنظمات الإرهابية بين النشاطين (الجهاد العسكري والإعلامي) المتشابكين والمتداخلين، وعدد من عناصر تلك الجماعات الإرهابية لعبوا ـ ومازالوا يلعبون ـ دوراً نشط في مجال النشاط الإعلامي علي الانترنت.
علي غرار "فارسي الزهراني" زعيم القاعدة الذي قبض عليه في أغسطس 2004 من قبل السلطات السعودية والذي كتب في عدد من المواقع الجهادية، مثل موقع "أبو محمد المقديسي" و"منبر التوحيد والجهاد" تحت اسم مستعار "أبو جندل الأزدي " و" الأزري"، و"عبد العزيز العنزي" والذي ترأس مجلس القاعدة الإعلامي والملقب بـ "وزير إعلام القاعدة في شبه الجزيرة العربية" وكانت له نشاطات متميزة علي شبكة الانترنت، فكان المشرف علي منتدى "السلفيون" تحت اسم مستعار "عبد العزيز البكري"، وكتب بصورة منتظمة في مجلة القاعدة المنشورة علي الانترنت "صوت الجهاد" تحت أسماء مستعارة منها "الشيخ ناصر النجدي " و "نصر الدين النجدي ".
المواقع الجهادية الإسلامية تستضيفها شركات غربية
نظراً للجهود والقيود التي تفرضها الدول العربية علي نشاط الجماعات الإسلامية الأصولية واستخدامها للإنترنت، اتجهت تلك الجماعات إلي مزودي خدمات الانترنت في الدول الغربية ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية؛ لما تمنحه تلك الدول من حرية في التعبير عن الرأي والاعتقاد والحرية في نشر ما تريده من أفكار ورسائل.
وفي هذا الصدد قدمت الورقة أسماء ببعض المواقع الجهادية ومزودي الخدمات في الدول الغربية التي تستضيفها، وقد قسمها إلي ثلاثة أنواع رئيسية
أولا: مواقع الجماعات الإرهابية
وهي تلك المواقع التي تخدم أهداف الجماعات والمنظمات الإرهابية الرئيسية مثل القاعدة والدول الإسلامية في العراق، ومنها ما يلي:
اسم الموقع مزود خدمة الانترنت مقر مزود الخدمة
موقع عصائب العراق الجهادية Layered Technologies, Inc تكساس
موقع جماعة جيش المجاهدين Network Operations Center Inc بنسلفانيا
موقع جماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية (سرايا القدس) ThePlanet.com Internet Services, Inc تكساس
مواقع مؤيدة لحزب الله اللبناني Everyone’s Internet تكساس
موقع أنصار الجهاد في العراق Electric Lightwave واشنطن
ثانيا: المنتديات الإسلامية
فالمنظمات الإرهابية اعتمدت على تلك المنديات في نشر رسائلها وأفكارها في حال عدم توافر مواقع لها، ومن تلك المنتديات:
اسم الموقع مزود خدمة الانترنت مقر مزود الخدمة
منتدى الحسبة ذات شعبية عالية RealWebHost تكساس- أمريكا
منتدى التجديد FASTHOSTS-UK-NETWORK بريطانيا
منتدى السحاب Liquid Web, Inc ميتشجان- أمريكا
ثالثا: مواقع رجال الدين(الشيوخ) المؤيدة للقاعدة
من المعروف أن رجال الدين يلعبون دوراً محوريا في البناء التحتي الأيديولوجي للمنظمات وإضفاء الشرعية الدينية علي أنشطتهم والكثير منهم بالسجون؛ لتحريضهم للإرهاب أو لمشاركتهم في العمليات الإرهابية، غير أن ذلك لم يمنعهم من تدعيم الجماعات الإرهابية عن طريق المواقع التابعة لهم والتي تظل نشطة حتى بعد دخولهم السجن، ومنها.
• موقع أبو قتاده الفلسطيني المعروف باسم "عمر محمد أبو عمر" وهو أردني من أصل فلسطيني المحتجز في بريطانيا منذ عام 2005 للشك في صلته بالقاعدة، الذي تستضيفه (BT-Wholesale) ببريطانيا.
• موقع الشيخ أبو محمد المقديسي والذي كان الأب الروحي لزعيم تنظيم القاعدة بالعراق "أبو مصعب الزرقاوي"،الذى تستضيفه (Interserver, Inc)، نيوجيرسي.
• موقع الشيخ "حامد العلي" المتطرف المعروف بدعمه لمقاتلي الجهاد، الذى تستضيفه (FortressITX)، نيوجيرسي.
مواقع تستخدم مزودي خدمات شركات الانترنت الكبرى
شركات الانترنت الكبري مثل "جوجل" و"ياهو" و"ام اس ان" تقدم العديد من الخدمات المجانية التي نجحت التنظيمات الإسلامية المتطرفة في استخدامها لنشر أفكار مثل:
مدونتان تستضيفها شركة "جوجل" الأولي غير الرسمية لقناة "الفجر" التابعة للدولة الإسلامية بالعراق، ومدونة أمير تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أبو مصعب الزرقاوي والتي تتضمن رسائل مقاطع فيديو للزرقاوي. وتستضيف شركة "ياهو" مجموعة تدعي أنصار الجهاد في العراق. كما تستضيف شركة "ام ان اس" مجموعة مؤيدة لحزب الله اللبناني والتي تبث خطابات زعيم التنظيم حسن نصر الله.
مواقع بلغات أوربية
المواقع الجهادية التي تستضيفها خادمات غربية ليست دائما ناطقة بالعربية حيث هناك عدد منها ليس بالقليل ناطق بالغة أوربية منها
• قسم بمنتدى شبكة أخبار العالم ناطق بالإنجليزية، الذي تستضيفه (SiteGenie, LLC)، مينيسوتا.
• موقع( Gimf) الناطق بالألمانية، الذي تستضيفه (Akamai Technologies)، لندن.
• موقع "صوت المضطهدين ناطق باللغة الفرنسية الذي تستضيفه (DNS Services)، فلوريدا.
ما الذي يجب فعله؟
وتختتم الدراسة بتساؤل عن ماذا يجب فعله لمواجهة تنامي المواقع الجهادية الأصولية التي تستضيفها خادمات غربية وأمريكية. ورأت أن ذلك يتطلب:
• نشر رسائل بديلة لما تنشره تلك الجماعات الأصولية الجهادية والتي تقع على عاتق الإصلاحيين في العالمين العربي والإسلامي والتي تحتاج إلي وقت طويل ونتائجها ليست آنية.
• التضييق علي تلك المواقع في كافة وسائل الإعلام، فضلا عن توعية مزودي خدمات الانترنت والمواطنين بمحتويات تلك المواقع.
• صياغة إجراءات قانونية تحد من استضافة مزودي خدمات الانترنت مواقع ومنتديات ذات علاقة بالجماعات المتطرفة بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
• التعرض لتلك المواقع فالخبرة التاريخية أوضحت أن عمليات التعرض كانت ناجحة. وفي هذا الصدد تمت الإشارة إلي الإصدار الذي نشره المعهد على جزأين عن المواقع الجهادية والخادمات التي تستضيفها في 2004 وخلال أسبوعين من نشر هذا الإصدار، أغلب مزودي خدمات الانترنت التي كانت تستضيف تلك المواقع التي ثبت تورطها في عمليات إرهابية تم إغلاقها وإنهاء استضافتها وتلك المشابهة لها.
• أنشاء قاعدة بيانات حكومية أو غير حكومية لنشر معلومات باستمرار عن المواقع الجهادية والأصولية ومزودي الخدمات التي تستضيفها.
متقول